حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

تنبيه - المفسرة

صفحة 438 - الجزء 2

  وإنما قلنا فيما مضى إنّ الاستفهام مراد به النفي تفسيراً لما اقتضاه المعنى وأوجَبَتْهُ الصناعة لأجل الاستثناء المفرَّغ لا أن التفسير أوْجَبَ ذَلِكَ. ونظيره: «بَلَغَنِي عَنْ زَيْدِ كلامٌ وَاللَّهِ لأَفْعَلَنَّ كَذَا».

  ويجوز أن يكون {لَيَسْجُنُنَّهُ}⁣[يوسف: ٣٥] جواباً لـ «بدا»، لأنَّ أفعال القلوب لإفادتها التحقيق تجابُ بما يُجاب به القَسَم، قال [من الكامل]:

  ٦٤١ - وَلَقَدْ عَلِمْتُ لتأتِيَنَّ مَنِيَّتِي ... [إِنَّ الْمَنَايَا لَا تَطِيشُ سِهَامُهَا]


  مفسر لذلك المفرد أعني النجوى قوله: (وأسروا النجوى الخ) لا يتعين في هل هذا إلا بشر مثلكم أن يكون جملة مفسرة للنجوى لا محل لها من الإعراب بل يجوز أن تكون في محل نصب على أنها بدل من المفعول به الذي هو النجوى، فإن قلت ليس هذا من الأبواب التي يصح وقوع الجملة فيها مفعولاً قلت الجملة مراد بها لفظها على تقدير البدلية فهي حكم المفرد فكأنه قيل أسروا هذا الكلام قوله: (مراد به النفي) أي: وهذا يفيد أنه خبري لا إنشائي. قوله: (وأوجبته الصناعة الخ) أي: اقتضته الصناعة من أن الاستثناء المفرغ إنما يكون بعد النفي وهذا لا ينافي أن الاستفهام باقٍ على حقيقته، وأن الجملة باقية على إنشائيتها في المعنى هذا كلامه وفيه أنه لا أن يكون الاستفهام هنا باقياً على حاله يصح لأنهم جازمون بأنه بشر مثلهم، وحينئذ فالاستفهام مراد به النفي قطعاً فلا يصح أن يكون مثالاً لما إذا كان الإنشاء مفسراً لمفرد. قوله: (بلغني عن زيد كلام والله لأفعلن كذا) يحتمل أن الجملة الأخيرة ذات محل من الإعراب على أنها بدل من الفاعل الذي هو كلام وذلك لأنه أريد بها لفظها فهي كالمفرد والمعنى بلغني عن زيد هذا اللفظ وهو والله لأفعلن فإن قلت يلزم على ما ذكر حكاية الجمل بما ليس فيه أحرف القول والبصريون يأبونه قلت يمكن أن يقدر قول مضاف للجملة وحذف وأقيمت مقامه والأصل بلغني عن زيد قول والله لأفعلن، وأما إذا قلنا بالمذهب الكوفي فلا إشكال ولا حاجة إلى التقدير. قوله: (والله لأفعلن كذا) أي: فهذه الجملة مفسرة للكلام قوله: (لأن أفعال القلوب) أي: التي لا تفيد التردد. قوله (لإفادتها التحقيق) أي: كالقسم قوله: (تجاب بما يجاب به القسم) أي: وهو الجواب المقرون باللام المؤكد بالنون لأن القسم يدل على التحقيق وكذلك أفعال القلوب. قوله: (ولقد علمت الخ) تمامه:


٦٤١ - التخريج: البيت للبيد بن ربيعة في (ديوانه ص ٣٠٨؛ وتخليص الشواهد ص ٤٥٣؛ وخزانة الأدب ٩/ ١٥٩ - ١٦١؛ والدرر ٢/ ٢٦٣؛ وشرح شواهد المغني ٢/ ٨٢٨؛ والكتاب ٣/ ١١٠؛ والمقاصد النحوية ٢/ ٤٠٥؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك ٢/ ٦١؛ وخزانة الأدب ١٠/ ٣٣٤؛ وسرّ صناعة الإعراب ص ٤٠٠؛ وشرح الأشموني ١/ ١٦١؛ وشرح قطر الندى ص ١٧٦؛ و همع الهوامع ١/ ١٥٤).

اللغة والمعنى: المنيّة: الموت. تطيش: تخطاء.

يقول: لقد عرفت أن الموت لا مفرّ منه، وأن سهامه لا تخطاء أحداً من الناس عاجلاً أم آجلاً.