[الكلام على الفاتحة وإعرابها]
  وقيل: المراد به القرآن، ورُوي مرفوعًا إلى النبي ÷، وقيل: طريق الجنة في الآخرة.
  و {الْمُسْتَقِيمَ ٦} نصب على النعتِ لـ {الصِّرَاطَ}، وذلك أَنَّ النّعتِ يتبع المنعوت في إعرابه، ولا يُنعتُ معرفةٌ إلا بمعرفة، ولا نكرة إلا بنكرة، فإن جئتَ بالنكرة بعد المعرفة نصبتها على الحال، كقولك: مررتُ بالصِّراطِ مُستَقِياً، {وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا}[الأنعام: ١٢٦]، {وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا}[البقرة: ٩١]، والمُسْتَقِيم (مُسْتَفْعِلْ) وهذا مُعتَلُّ العَين بالواو، والأصل (مُسْتَقُومٌ) فاستثقلوا الكسرة على الواو فنُقِلَت إلى القاف، وانقلَبَت الواو ياء بانكسارِ مَا قَبلَهَا فصار مُسْتَقِيا والمستقيم خلاف المعوج.
  وقوله: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}[الفاتحة: ٧]، منصوب على البدل {الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ٦}، وهو في حُكم تكرير العامل، كأَنَّهُ قِيلَ: اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ اهْدِنَا صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيْهِمْ، كَما قَالَ: {لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ}[الأعراف: ٧٥]، وهو بدلُ كُلُّ من كُلّ مَعرفة من معرفة، ظاهر من ظاهر. فإن قيل: وما فائدةُ البَدَلِ؟ وهلاً قِيلَ: اهْدِنَا صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيْهِمْ، قلنا: ذكر في الكشاف: أنّ فائِدتَهُ التوكيدُ؛ لما فيه من التثنية والتكرير والإشعار بأنَّ الصِّراط المستقيم بيانه وتفسيره: صراط المسلمين؛ ليكون ذلك شهادةً لطريق المُسلِمِينَ بالاستقامة على أبلغ وجهِ وأَكَدِهِ، كَمَا تَقُولُ: هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى أَكْرَمَ النَّاسِ وأفضَلِهِم؟ فُلان. فيكون ذلك أبلغ في وَصفِهِ بالكرم والفضل، من قولك: هل أدلك على فلان الأكرم الأفضل؛ لأنكَ ثنّيتَ ذكرَهُ مُجملاً أولاً، ومُفصَّلاً ثانيًا، وأوقعت فلانًا تفسِيرًا وَإِيضَاحًا للأكرَم الأفضَلِ، فَجَعَلَتَهُ عَلَا فِي الكَرَمِ والفَضلِ، وكَأَنَّكَ قُلتَ: مَن أَرادَ رَجُلاً جامِعًا لِلخَصْلَتَينِ فَعَلَيْهِ بِفلانٍ، فهو المُشخَصُ المُعِينَ؛ لاجتِماعِهِما غير مُدَافَعٍ ولا مُنازَعٍ.