[الكلام على الفاتحة وإعرابها]
  قالَ: والَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيهِم هم المؤمنون، وأطلَقَ الإنعام ليشمل كُل إنعامِ؛ لأَنَّ مَن أنعَمَ اللهُ تعالى عَليهِ بِنِعْمَةِ الإسلام لَم تَبقَ نِعمةٌ إلا أَصابَتْهُ، وَاسْتَمَلَت عَليهِ، وعن ابن عبّاس: هم أصحابُ مُوسَى قَبلَ أن يُغَيّروا، وَقِيلَ: هم الأنبياء.
  وقَرَأَ ابنُ مَسْعُود ¥ {صِرَاطَ مَنْ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}.
  ومَحلُّ {الَّذِينَ} الجَرُّ بإضافة {صِرَاطَ} إليه، ولا علامَةَ لِلجَرِّ فِيهِ؛ لأنه اسم مَوصُولٌ يَحتَاجُ إلى صِلةٍ وعَائِدٍ كَما تَقَدَّمَ، وكُلُّ ما صَلَحَ أَن يَكُونَ خَبْرًا لِلمُبْتَدَأَ مِن الجُمَل جَازَ أن يَكُونَ صِلَةٌ لِـ (الذي) وإخوانِهِ. و {أَنْعَمْتَ} جُملَةٌ فِعلِيَّةٌ، من فِعل وفاعل صلة لـ {الَّذِينَ}، فالفعلُ (أنْعَمَ)، والفاعلُ التَّاءُ، وهي كِنايةٌ عن اسم الله تعالى، وكُل تاء خاطَبتَ بها مُفرَدًا غَيْرَ مُؤَنَّث فهِيَ مَفْتُوحَةٌ، وتاءُ خِطاب الْمُؤَنَّثِ مَكسُورَةٌ، وتاهُ النَّفْسِ مَضمُومَةٌ، والهَمَزَةُ فِي أَوَّلِ {أَنْعَمْتَ} أَلِفُ قَطع، وكُلُّ أَلِفِ ثَبَتَتْ فِي الماضي، وَكَانَ أَوَّلُ الْمُستَقبَلِ مَضمُومًا، نحو: أَكْرَمَ يُكْرِمُ، وأنْعَمَ يُنعِمُ فِهِيَ مَفْتُوحَةٌ في الأمرِ والماضي، مَكسُورَةٌ فِي الْمَصْدَرِ، فَإِذَا صَرَّفْتَ قُلَتَ: أَنْعَمَ يُنعِمُ إِنْعَامًا فَهُوَ مُنعِمٌ، وَلِلأمرِ أَنْعَمْ بِقَطع الهَمَزَةِ وفَتحِهَا.
  وإِظْهَارُ النُّونِ وَاجِبٌ فِي {أَنْعَمْتَ}؛ لِسُكُونِها وَاتِّصالِ العَينِ بِهَا، وَهِيَ مِن حُرُوفِ الإظهار. وتَحقِيقُ ذَلِكَ أنَّ للنون الساكنة مع غير الألف من الحروف خمسة أحوال:
  أحدهَا وُجُوبُ إدغامِها فِيهَا مع ذهاب الغنّةِ، لكن الأفصح بقاء الغنّة مع إدغامها في اللام والرّاءِ، وبقاء الغنّةِ فيها رُوِي.