التحذير والإغراء
  وأما الموضع الثالث: وهو في حكمه إذا وقع إغراء لمخاطب. إعلم أن الشيخ قد ذكر هاهنا أن إيا يقع به الإغراء وهذه منه غفلة، وكلامه هاهنا مشتمل على الخطأ من وجوه أربعة.
  أولها: قوله: إن إيا للإغراء ولم يرد في لسانهم وضعها للإغراء. وإنما وضعوها للتحذير. وكل واحد من البابين مخالف للآخر ومناقض له، فالإغراء بالشيء هو الحض على فعله. والحث على ملابسته. والتحذير هو المباعدة عن شيء والكف عنه. فلهذا تقول في الإغراء (دونك زيداً) أي خذه ونقول في التحذير (إياك والأسد) أي ابتعد عنه فهما بابان متباعدان ليس بينهما مقارنة ولامداناة، فكيف نقول بأن (إيا) موضوعة للإغراء.
  وثانيها: قوله: إن إيا بمنزلة (فعل وقائمة مقامه فتنصب الطريق بها كما ينصب بذلك الفعل المقدر، وهذا أيضاً خطأ، فإن إيا اسم مضمر في موضع نصب وهو محتاج إلى ناصب، كما أن (لطريق) مفتقر إلى ناصب، والحق الذي يعتمده جماهير البصريين أن إيا المنصوب بفعل مضمر، وأن الأصل فيه اتق نفسك فحذف لفظ النفس لكثرة الاستعمال. فبقي ابقك، فطرح الفعل إيذانا بالسرعة في التحذير من البلية، فانفصل الضمير لما حذف الفعل، فصار إياك كما ترى منفصلاً.
  وثالثها: قوله: إن الطريق إنما كان منصوباً بإياك لما وقع موقع الفعل، وهذا خطأ بل (الطريق) إنما كان منصوبا بالعطف على قولنا: إياك المنصوب بالفعل المضمر كما قررناه.
  ورابعها أن لفظ الطريق وقع في كلامه هاهنا بغير واو وهو خطأ، فلا يجوز وروده في التحذير بغير واو لأنه ينتصب (بالعطف على الاسم المضمر قبله فتقول (إياك والطريق) و (إياك والأسد) وحرف العطف لا يجوز طرحه بحال).
  وإنما يسوغ طرح الواو مع (أن) في نحو قولهم (إياك أن تحذف الأرنب) لما كان منصوباً بنزع الجار كأنه قال (إياك) عن أن تحذف أو من أن تحذف) وحرف الجر يحذف من (أن) كثيراً، فأما الواو فلا تحذف أصلاً، فهذا زلل من الشيخ وقع في هذه المواضع وليس له عذر يعذر به إلا السهو والذهول.