الحاصر لفوائد مقدمة طاهر في علم حقائق الاعراب،

يحيى بن حمزة (المؤيد بالله) (المتوفى: 749 هـ)

فضل علم الكتابة

صفحة 459 - الجزء 1

  وأما الموضع الثاني: وهو في فضل علم الكتابة وبيان شرفها: فاعلم أن شرف الشيء يستفاد من جهات كثيرة إما لعظم المقصود به، وإما لشدة الحاجة إليه، وإما لكثرة منافعه، وإما لأن الشرع دل على فضله وشرفه، وهذه الوجوه كلها حاصلة، في علم الكتابة والخط، وفي هذا دلالة على فضلها.

  فأولها: عظم المقصود بها، ولو لم يكن المقصود بعلم الكتابة والخط إلا أن الكتب السماوية التي أنزلها الله تعالى على أنبيائه لمصالح الخلق وتعليم معالم الدين، وللإرشاد إلى هدايتهم ما حفظت إلا بعلم الكتابة، ولا أمكن ضبطها إلا بعلم الخط لكان هذا كافيا في بيان فضلها وشرفها، ودلالة على جلالتها وعظم شأنها.

  وثانيها: شدة الحاجة إليها، ولا شك أن الحاجة للخلق إلى علم الكتابة ظاهرة في حفظ علومهم وقصصهم وأخبارهم وسيرهم وآثارهم وما يعرض لهم في معاملاتهم ومدايناتهم، وحفظ أموالهم، ولو لم يكن إلا ما تضمنته كتب الشروط من النفع لكان كافيا في العلم لشدة الحاجة إليها.

  وثالثها: اشتمالها على المنافع العظيمة، وذلك لأن في الكتابة من المنافع والفوائد مالا يحيط به إلا الله، فقد قيل لو لم يكن على دقيق حكمة الله تعالى ولطف تدبيره إلا علم القلم والخط لكفى به دليلا على بالغ حكمته وعظم منته.

  ورابعها: إرشاد الشرع إلى فضلها، ولنذكر من ذلك آيتين: الأولى: قوله تعالى {الرَّحْمَنُ ١ عَلَّمَ الْقُرْآنَ ٢ خَلَقَ الْإِنْسَانَ ٣ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ٤}⁣[الرحمن] فالله تعالى ذكر خلق الإنسان تفخيماً لشأنه ودلالة على عجيب قدرته، ثم (أردفه بذكر المنة عليه بتعليم البيان، والبيان هو الفصاحة وعلم الكتابة لأنهما كلاهما موضوعان من أجل البيان وفي هذا من الفخامة وعظم القدر) مالا يخفى. الثانية: قوله تعالى {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ٢ اقْرَأْ