الباب الثاني فيما يتعلق بجملة الفاتحة
  قال: وهذا تعويل على رأي فاسد، حاصله رد كثير من السنة المطهرة بلا برهان ولا حجة نيرة، فكم موطن من المواطن يقول فيه الشارع: لا يجزي كذا، لا يقبل كذا، لا يصح كذا، ويقول المتمسكون بهذا الرأي: يجزي، ويقبل، ويصح، ولمثل هذا حذر السلف من أهل الرأي. ذكره في (النيل).
  قلت: وقد حكى الرازي إجماع الأمة على أن قراءة الفاتحة أولى من غيرها وإن اختلفوا في الوجوب، وحكى تسليم أبي حنيفة أن الصلاة بدون الفاتحة (خداج) ناقص، وجعل هذا أحد الوجوه المقتضية للوجوب؛ لأن الآية على ما يزعمه الحنفية يقتضي التخيير وهو باطل إذ لا تخيير بين الكامل والناقص، فتعين أن يكون المراد بالمتيسر الفاتحة.
  واحتج الرازي على الوجوب بأن قراءة الفاتحة أحوط للإجماع على صحة قراءتها، وقد قال تعالى: {فَبَشِّرْ عِبَادِ ١٧ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ}[الزمر: ١٨].
  واحتج أيضاً بأن الأمة مجمعة على العمل، وهي أنك لا ترى مسلماً إلا وهو يقرأ الفاتحة في الصلاة، فالتارك لها تارك لسبيل المؤمنين فيدخل تحت قوله تعالى: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ...} الآية [النساء: ١١٥].
  فإن قيل: إنهم لم يجمعوا على اعتقاد وجوبها.
  قلنا: عمل القلب غير عمل الجوارح فمن لم يأت بها فهو تارك لسبيل المؤمنين فيدخل تحت الوعيد، وهو احتجاج ضعيف فالحق اثبات وجوب الفاتحة بالأدلة السابقة وهي صحيحة صريحة.