{الم 1 ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين 2 الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون 3 والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة
  دون الحرام فجوابه: أن المراد بالتبعيض الدلالة على أن الممدوح عليه إنفاق بعض الحلال لا كله، كما سيأتي إن شاء الله.
  ومن حجج أصحابنا: أن الأشياء التي لا ينتفع بها كالسموم لا تسمى رزقاً اتفاقاً، فكذلك ما نهينا عن تناوله والانتفاع به كمال الغير، والجامع عدم جواز الانتفاع. ومنها: أن الله تعالى لم يسم رزقاً إلا ما أباحه دون ما حرمه، قال تعالى: {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا}[النحل: ٦٧] فسمى ما أباح الانتفاع به من ثمرات النخيل والأعناب رزقاً، ولم يسم المسكر رزقاً. ومنها: أن العرب لا تسمي ما تعتقد تحريمه رزقا، كالبحيرة، والسائبة، والوصيلة، والحام؛ لأن الرزق عندهم ما ينتفع به، وهذه لا ينتفع بها عندهم فلا تسمى رزقاً لهم، والقرآن نزل بلسانهم، ويقاس عليها ما أخذ ظلماً بجامع المنع من كل.
  واعلم: أنا قد اتفقنا نحن والخصم على أن الحلال يسمى رزقاً، واختلفنا في الحرام، فإن أتى بدليل صحيح صريح غير محتمل ولا مجازي من كتاب الله، أو من سنة رسول الله ÷، أو من لغة العرب يدل على أن الحرام يسمى رزقاً سمعنا وأطعنا، وإلا اقتصرنا على ما قد علمنا، واتفقنا عليه، وقضت به قواعد العدل. من أنه اسم للحلال دون غيره؛ إذ هو الذي صح نقله ولم يصح غيره.
  فإن قالوا: حجتنا قوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا}[هود: ٦] وقد يعيش الرجل طول عمره لا يأكل إلاَّ من الحرام، فلو لم يكن رزقاً للزم أن يقال: إن الله لم يرزقه طول عمره،