قوله تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون 6 ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم 7}
  والعناد، بل قد اجتهد في طلب الحق، وبلغ الغاية القصوى في النظر، فلم يوصله نظره إلا إلى ما استقر عليه اعتقاده من تهود، أو تنصر، أو تمجس أو نحو ذلك، فإن هذا النوع مختلف فيه بين الأمة، فالذي عليه الأكثر أنه كفر، وأنه لا فرق بينه وبين المعاند للحق.
  وقال (الجاحظ) و (عبيد الله بن الحسن العنبري): لا عقاب على أهل هذا النوع، بل صاحبه معذور.
  قال (الرازي) وهو معنى قوله: إن كل مجتهد مصيب، فإنه لم يعن أنه محق، فإن ذلك تكذبه الضرورة، وإنما أراد أن المخطئ معذور.
  قلت: أي عذر بقي لهؤلاء مع قيام المعجز على صدق محمد ÷، ومع العلم الضروي بدعائه إياهم إلى الإسلام، وبيانه أوضح بيان، واشتهاره في كل زمان، بحيث لم يبق لهم ولا لغيرهم شبهة إلا العناد والتمرد، وأين الجاحظ والعنبري من أوصاف القرآن بأنه بيان، وتبيان، ومبين، وهدى، وتفصيل، ومفصل، لمن هذا البيان والتبيين، والهدى والتفصيل؟ {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ}[إبراهيم: ٥٢] قل {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ٥٧}[يونس] {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ١٤٦}[البقرة].
  وأما كفر التأويل فسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى.