مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

قوله تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون 6 ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم 7}

صفحة 1484 - الجزء 3

  إلى واجب أو قبيح، ثم من الجائز أن بعض الأفعال في الدعاء أبلغ من بعض بأن يدعو إلى واجبات كثيرة، والآخر إلى قليلة، أو يدعو إلى قبيح واحد، أو قبائح كثيرة.

  قالوا: فكما أن تفاصيل ذلك لا تعلم إلا سمعاً، ولا يمكن معرفتها بالقياس، فكذلك نقول في كون الفعل كفراً أو فسقاً؛ لأن العلة لا يمكن معرفتها مع تلك الأمور المجوزة.

  والجواب: أنا إذا علمنا بدليل سمعي في أمر أنه كفر، وعلمنا أن لا بد له من وجه لأجله كان كفراً، ثم حصرنا الوجوه التي يمكن كونها علة بطريقة تفيد العلم ضرورة، وهي الدائرة بين النفي والإثبات، وأبطلنا صحة تعليق الحكم بها بدليل قاطع حتى لم يبق إلا واحدٌ، فإنا نقطع أنه هو الموجب لكون ذلك الأمر كفراً، وإذا علمنا من حاله ذلك، ووجدناه في محل آخر، قطعنا بكونه كفراً لحصول موجب ذلك كما تقدم مثاله فيمن وصف الله تعالى بأنه ظالم، فإنا نعلم أنه لابد من وجه لأجله كان كفراً؛ إذ لا يجوز أن يتزايد عقابه لغير موجب، وحصرنا الوجوه التي يمكن كونها علة، بأن قلنا: لا يخلو إمَّا أن يكون كفراً لأمر أولا، الثاني باطل، وإلا كان تزايد عقابه ظلماً، والأول لا يخلو إمَّا أن يكون مجرد اللفظ أولا، والثاني لا يخلو، إما أن يكون لأجل معناه فقط، أو لأجل مجموع اللفظ والمعنى، أو لأمر آخر، فهذه قسمة حاصرة لا تحتمل قمساً آخر، فإذا بطلت الأقسام بدليل قاطع إلا واحداً، ووجدنا الحكم يثبت بثبوته،