المسألة السادسة: في التحسين والتقبيح العقليين
  وما استندتم إليه من التصرف في ملك الغير مبني على ذلك الأساس المنهار؛ إذ الإذن قد حصل بما ركب في العقول من حسن ما تعرى عن وجوه القبح(١).
  الوجه الثاني: إنه لو وجب لكان كالاستهزاء؛ لأن ما أنعم الله به علينا من النعم حقير بالنظر إلى سعة ملكه، وإنما نسبتها إلى سعة ملكه كنسبة لقمة تصدق بها أحد ملوك الدنيا على محتاج إلى جملة ممالكه.
  ومعلوم أن المتحدث بتلك اللقمة لا يعد شاكراً، بل مستهزئاً ساخراً، فكذلك شكر الباري تعالى على نعمه الواصلة إلينا، فثبت أن العقل يقضي بعدم وجوبه.
  الجواب: أولاً: أنه يلزمكم قبحه وهو خلاف دعواكم كما تقدم، ولا أظنكم تخالفون في حسنه بالمعنى الذي أثبتموه.
  وثانياً: أن قياسكم فاسد لوجود الفارق، فإن اللقمة حقيرة عند الملك والمحتاج والسامع، فلا جرم عد الشاكر عليها ساخراً، بخلاف نعم الله تعالى، فإنها جليلة عند الشاكر والسامع، فلا يعد الذاكر لها ساخراً، وإنما مثال نعمه تعالى مثال من أعطاه أحد ملوك الدنيا بدرة من الذهب، فإن تلك البدرة حقيرة بالنسبة إلى ما يملكه هذا الملك، وهي عظيمة بالنظر إلى المحتاج، والسامع يشكره عليها، فكذلك نعم الله تعالى.
  على أنا لا نسلم حقارة نعمه تعالى لقوله تعالى: {وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ
(١) والشكر متعر عن وجوه القبح. تمت مؤلف.