قوله تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون 6 ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم 7}
  لا يخلو من أن يكون من جنس الكلام المعقول فيما بيننا، وهو أن يتركب من جنس الأصوات والحروف أو مخالفاً لذلك، فإن كان من جنس الأصوات والحروف فلا شبهة في حدوثه، وإن كان مخالفاً لذلك لم يصح أن يكون كلاماً، وأن يفهم به شيء، فالمثبت لكلام مخالف للكلام المعقول فيما بيننا فإنه في حكم من يثبت جسماً مخالفاً للأجسام المعقولة فيما بيننا، ويثبت مع الله تعالى جسماً قديماً مخالفاً لسائر الأجسام، ومن يزعم أن الكلام معنى في النفس، وأن الحروف المسموعة دلالة عليه فهو في التجاهل بمنزلة من يزعم أن الصوت معنى في النفس، وأن المسموع منه دلالة عليه، وأن اللون معنى في النفس، وأن المرئي دلالة عليه، ولنا عليهم ما مر في تقرير مذهب الحشوية أن القرآن هو المسموع.
  وقول علي #: (وهذا القرآن إنما هو خط مخطوط مستور بين الدفتين، وإنما ينطق بحكمه الرجال) ويلزمهم هم والحشوية أن كلام الله لو كان قديماً لوجب أن يكون مثلاً الله تعالى؛ لأن القديم صفة من صفات الذات، والاشتراك في صفة من صفات الذات يوجب التماثل ولا مثل لله تعالى، وأيضاً فإن العدم مستحيل على القديم فلو كان قديماً لما جاز أن يعدم، ومعلوم أنه لا يمكن وقوعه على حد تحصل به الإفادة إلا إذا وجد عند عدم حرف.
  يوضح ذلك أن أحدنا إذا قال: الحمد لله فإنه لا بد أن يقدم حال وجود اللام الهمزة، وحال وجود الحاء اللام، وحال وجود الميم