مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

قوله تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون 6 ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم 7}

صفحة 1517 - الجزء 3

  والقبح العقلي، ولكن الأصحاب قد يوردون ذلك على سبيل المعارضة. ونحن نذكر هنا ما حكاه الرازي عن الصاحب بن عباد أنه قال: كيف يأمره بالإيمان وقد منعه منه، وينهاه عن الكفر وقد حمله عليه، وكيف يصرفه عن الإيمان ثم يقول: {أَنَّى يُصْرَفُونَ ٦٩}⁣[غافر] ويخلق فيهم الإفك ثم يقول: {أَنَّى يُؤْفَكُونَ ٤}، وأنشأ فيهم الكفر ثم يقول: لم تكفرون، وخلق فيهم لبس الحق بالباطل ثم يقول: {لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ}⁣[آل عمران: ٧١]، وصدهم عن السبيل ثم يقول: {لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}⁣[آل عمران: ٩٩]، وحال بينهم وبين الإيمان ثم قال: {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا}⁣[النساء: ٣٩]، وذهب بهم عن الرشد ثم قال: {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ ٢٦}⁣[التكوير]، وأضلهم عن الدين حتى أعرضوا ثم قال: {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ ٤٩}⁣[المدثر ٤٩].

  وأما القائلون بالجواز مطلقاً فمن حججهم هذه الآية، وهي قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ} إلخ [البقرة: ٦]، وما في معناها؛ وقد قرر الرازي الاستدلال بها من خمس طرق:

  الطريق الأولى: أن الله تعالى أخبر بأنهم لا يؤمنون فظهر استحالة إيمانهم؛ لاستلزامه المستحيل الذي هو عدم مطابقة إخباره تعالى للواقع، مع كونهم مأمورين بالإيمان، باقين على التكليف.

  والجواب: أن الإخبار بوقوع الشيء أو عدمه لا ينفي القدرة عليه، كإخباره تعالى عما يفعله هو أو العبد باختياره، فإخباره تعالى أنهم لا يؤمنون حق مطابق للواقع؛ لأنه عالم الغيب، وقد علم أنهم يختارون عدم الإيمان، ولكن القدرة على الإيمان قائمة بالمأمور،