مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

قوله تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون 6 ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم 7}

صفحة 1518 - الجزء 3

  فأمره بالإيمان بعد الإخبار باختياره عدمه ليس من باب تكليفه بالمحال؛ لأن القدرة على فعله حاصلة، وإنما هو من باب قوله ø: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى}⁣[فصلت: ١٧].

  الطريقة الثانية: أنه تعالى لما علم منه أنه لا يؤمن كان صدور الإيمان منه يستلزم انقلاب علم الله جهلاً، وذلك محال، ومستلزم المحال محال، ومع هذا فقد أمره بالإيمان، فثبت أنه أمره بالمحال.

  والجواب: أن انقلاب العلم جهلاً في نفسه محال، وصحة الفعل من القادر ممكنة، والكلام فيها، ولا يلزم من وجود الممكن في نفسه وجود المستحيل؛ وبيان كون الإيمان ممكناً، وعدم الملازمة من وجوه:

  أحدها: أن الكافر أمر بالإيمان، والأدلة منصوبة، والعقل حاضر، والقدرة عليه موجودة، لكن علم الله أنه يترك ما يقدر عليه جحداً وعناداً، ولهذا فإن الآية نزلت ذماً للكافرين، وزجراً لهم، وتقبيحاً لفعلهم، فلو كانوا ممنوعين عن الإيمان غير قادرين عليه لما استحقوا الذم البتة، بل كانوا معذورين، كما يعذر الأعمى عن الكتابة المفهومة.

  إذا عرفت هذا فعلم الله بأنهم لا يؤمنون لا يوجب استحالة الإيمان في نفسه، ولا في القدرة عليه؛ لأنه سبحانه إذا علم كون الشيء مقدوراً لشخص وعلم تمكنه منه، وأنه متروك من جهته مع القدرة عليه لم يكن ذلك الشيء مستحيلاً في نفسه؛ إذ لو انقلب محالاً لا نقلب العلم بأنه ممكن جهلاً، ولخرج عن كونه ممكناً ومقدوراً.

  الوجه الثاني: أنه إنما يلزم ما ذكرتم لو كان علم الله تعالى بأن الكافر