قوله تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون 6 ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم 7}
  لا يؤمن سائقاً له إلى الكفر ومؤثراً في وقوعه، وليس كذلك، وإنما هو سابق للفعل غير سائق إليه، ولا مؤثر فيه، فما اختاره العبد من طاعة أو معصية علمه الله سبحانه منه قبل حصوله، بل قبل حصول العبد وحدوثه فلا تأثير لعلمه تعالى في حدوث الفعل أو تركه البتة، وإنما مثل علم الله تعالى في إحاطته بالمعلومات وأنه لا يمكن الخروج عن علمه كمثل السماء والأرض، فإنا نعلم أنه لا يمكن أحدنا الخروج عنهما كما قال تعالى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا ...} الآية [الرحمن: ٣٣].
  وهما لا يحملان أحداً على فعل طاعة أو معصية، كذلك علمه تعالى لا يمكن الخروج منه، ولا يحمل على شيء، ونظيره في الشاهد أن أحدنا لو علم قيام شخص أو قعوده فإنا نعلم ضرورة أن علمه غير مؤثر في ذلك القيام أو القعود، والفرق تحكم. وأيضاً لو كان العلم يؤثر في المعلوم للزم أن يؤثر علم الله تعالى في ذاته تبارك وتقدس؛ إذ هو يعلم ذاته، وهذا مما لا يقول به قائل، فنعوذ بالله من قول يؤدي إلى مثل هذه المحالات، ويدخل في هذه الضلالات.
  الوجه الثالث: أن العلم يتعلق بالمعلوم على ما هو عليه، فإن كان ممكناً علمه ممكناً، وإن كان واجباً علمه واجباً، ولا شك أن كل واحد من الإيمان والكفر بالنظر إلى ذاته ممكن الوجود.
  قال سعد الدين في شرح العقائد: وأما ما يمتنع بناء على أن الله علم خلافه كإيمان الكافر وطاعة العاصي فلا نزاع في وقوع التكليف به؛ لكونه مقدوراً للمكلف بالنظر إلى نفسه، فلو صار واجب الوجود