قوله تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون 6 ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم 7}
  قلت: وتكليف الكافر بالإيمان ليس مما يستحيل تصوره فوجب أن يصح التكليف به، ويبطل قول الرازي: أن التكليف به من التكليف بالجمع بين الضدين.
  الوجه الثاني: أن العلم بعدم الإيمان لوكان موجباً لعدم الإيمان لوجب أن لا يكون الله تعالى قادراً على شيء؛ لأن الذي علم وقوعه يكون واجب الوقوع، والذي علم عدمه يكون ممتنع الوقوع، والواجب لا تتعلق به القدرة بأنه إذا كان واجب الوقوع فسواء حصلت القدرة أم لا إذ ليس للقدرة فيه أثر، وأما الممتنع فلا قدرة عليه، وعلى هذا فيلزم أن لا يكون الله تعالى قادراً على شيء أصلاً وذلك كفر بالاتفاق، ويلزم أيضاً أن لا يكون العبد قادراً على شيء لهذا التقرير فتكون حركات العبد وسكناته كحركات الأشجار وسكناتها، وهذا هو الجبر المحض، والأشاعرة يفرون منه، وكل ما أدى إلى هذه اللوازم الباطلة وجب أن يكون باطلاً.
  الوجه الثالث: أن العلم بالعدم لوكان مانعاً للوجود لكان أمر الله تعالى للكافر بالإيمان أمراً بإعدام علمه تعالى، واللازم باطل؛ لأنه سفه، ولأن إعدام ذات الله تعالى وصفاته - تعالى عن ذلك علواً كبيراً - محال، وببطلان اللازم يبطل الملزوم.
  الطريق الرابعة: أن الله تعالى أخبر عن هؤلاء أنهم لا يؤمنون، وكلفهم بالإيمان البتة، والإيمان يعتبر فيه تصديق الله تعالى في جميع ما أخبر به، ومما أخبر به أنهم لا يؤمنون قط فقد صاروا مكلفين بأن يؤمنوا بأنهم لا يؤمنون قط، وهذا جمع بين النفي والإثبات.