مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

المسألة السادسة: في التحسين والتقبيح العقليين

صفحة 148 - الجزء 1

  وإن أردت أن الله أجرى عادته بخلق العلم بصدق المعجزة عند ظهورها وليس العلم حاصلاً عنها، فهو يؤدي إلى عدم دلالة المعجزة على النبوة، مع أن الذي نعلمه من أنفسنا أن هذا العلم الضروري لم يحصل لنا، وإنما عرفنا أن المعجز من فعل الله، وعرفنا وجه الإعجاز فصدقنا به؛ لأن من صدقه الله فهو صادق لا لغير ذلك⁣(⁣١)، ثم إنا نقول: متى يخلق الله هذا العلم أبعد معرفة وجه دلالة المعجزة، فهو لا يتم حتى نعرف أن من صدقه الله فهو صادق، أم يقول إن الله تعالى يخلقه عند رؤية المعجزة أو سماعها، فهذا كذب ضرورة؛ إذ قد رآها الكفار وسمعوا بها فلم ينقادوا لها، ولم يخبر من أسلم منهم بأنه حصل له العلم عند أول ما رأى أو سمع بها من دون نظر.

  فإن قيل: خلق الله لهذا العلم ممكن فلا وجه للقطع بعدمه.

  قيل: نحن نقطع بعدم كثير من الممكنات كقطعنا بأنه ليس بحضرتنا فيل أو نحوه، وقد تقدم أنه يجب القطع بنفي ما لا دليل عليه، ولو جوزنا حصول هذا العلم أو نحوه مما لا دليل عليه لصح ما يدعيه السوفسطائية من عدم العلم ونحوه، على أن الباقلاني قد أبطل دعوى العادة بأنه يجوز خرق العادة فيجوز إخلاء المعجز عن الصدق، وحينئذٍ يجوز إظهاره على يد الكاذب.

  فإن قيل: لو سلم ما ذكرتم من منع ظهور المعجز على يد الكاذب، وسلم أن العادة لا توجب امتناعه، فلا نسلم أن امتناعه للقبح العقلي بحيث أنه لو انتفى القبح العقلي انتفى الامتناع لجواز أن يمتنع لدليل


(١) فهو علم نظري. تمت مؤلف.