قوله تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون 6 ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم 7}
  أن يكون صدور ذلك الأثر جائزاً. وأما أنه لا يكون ممتنعاً فظاهر، وإلا لكان مرجح الوجود مرجحاً للعدم وهو محال. وإذا بطل القسمان ثبت أن عند حصول مرجح الوجود يكون الأثر واجب الوجود عن المجموع الحاصل من القدرة ومن ذلك المرجح.
  وإذا ثبت هذا كان القول بالجبر لازماً؛ لأن قبل حصول ذلك المرجح كان صدور الفعل ممتنعًا وبعد حصوله يكون واجباً؛ وإذا عرفت هذا كان خلق الداعية الموجبة للكفر في # ختماً على #، ومنعاً له عن قبول الإيمان، فإنه سبحانه لما ذكر أنهم لا يؤمنون ذكر عقيبه ما يجري مجرى السبب الموجب له؛ لأن العلم بالعلة يفيد العلم بالمعلول، والعلم بالمعلول لا يكمل إلا إذا استفيد من العلم بالعلة.
  واعلم أن الرازي قد جعل هذا صدر أدلتهم وأقواها عنده حتى روي عنه أنه قال: لو اجتمع الأولون والآخرون لما تخلصوا عنه إلا بالتزام وقوع الممكن لا عن مرجح، وحينئذٍ يسد باب إثبات الصانع، أو بالتزام أن الله يفعل ما يشاء، يعني أنه لا فعل للعبد، وأنه لا يقبح من الله قبيح. أجابت العدلية عن هذا من وجوه:
  أحدها: أن مذهب المجبرة مخالف للأدلة القاطعة، وإذا كان المذهب معلوم البطلان لم يمكن إقامة الدليل على إثباته فيكون الدليل باطلاً، وقد استوفى أصحابنا الأدلة الناهضة القاطعة الدالة على كون أفعال العباد واقعة باختيارهم، وعلى حسب دواعيهم وإرادتهم في بسائط