مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

قوله تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون 6 ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم 7}

صفحة 1563 - الجزء 3

  وأما قوله: إنه لما ذكر أنهم لا يؤمنون ذكر عقيبه ما يجري مجرى السبب وهو الختم، فالجواب أنا نقول: بل جعل كفرهم علة باعثة على الختم وسبباً فيه، ونقول: إن العلم بالعلة وهي الكفر تفيد العلم بالمعلول وهو الختم، والدليل على ذلك نظائرها من كتاب الله تعالى، قال الله تعالى: {بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ}⁣[النساء: ١٥٥]، فجعل الكفر علة باعثة على الطبع، ومثلها قوله تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ١١٠}⁣[الأنعام].

  وقوله تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ١٤}⁣[المطففين] إلى غير ذلك من الآيات، وكتاب الله يفسر بعضه بعضاً.

  فإن قيل: فما تأويل الختم عند علماء العدل والتوحيد؟

  قيل: قد ذكروا فيه وجوهاً كلها مقبولة جارية على قوانين اللغة، ومقتضى الفصاحة، ومطابقة ما تقرر من عدل الله تعالى، وتنزيهه من الظلم، وسائر القبائح.

  قال الناصر # في البساط: معنى الختم وما كان مثلي الشهادةُ من الله تعالى عليهم لما علم منهم، ومن قلوبهم، ويدل على ذلك أول الآية وآخرها، فإنه سبحانه قال: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ} إلى قوله: {وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ٧}⁣[البقرة].

  فشهد بهذا القول على قلوبهم أنها لا تؤمن أبداً، وعلى أبصارهم أنها لا تبصر أبداً، وعلى أسماعهم بمثل ذلك، لما عرفه جل ذكره من سوء نياتهم، واستكبارهم، وذلك نحو ما شهد به مما علمه من قوم نوح فقال: {أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ}⁣[هود: ٣٦] ولم يقل: إني أنا الذي منعتهم من الإيمان.