الموضع الثالث: في ذكر حجج العدلية وما يرد عليها ورده وذكر شيء مما اختلفوا فيه
  ولأنه تعالى لا يحصل منه الضرر، ولا القصد إليه لغير المستحق له لتعاليه عن الظلم، فتعين الثاني وهو أن غرضه تعالى انتفاعنا بها للتنعم، ولا يتم الانتفاع إلا بإدراكها وتناولها، وفي ذلك إباحتها.
  الرابع: أنه لا خلاف في حسن ما يضطر إليه الإنسان كالتنفس في الهواء، والشرب من الماء الجاري عند عطشه، ونحو ذلك مما تدعو إليه الضرورة، فكذلك سائر المنافع بعلة أنها منفعة لا مضرة فيها على أحد.
  قال في (الجوهرة): وبذلك بطل قول الواقفية؛ لأن ذلك قول بالحظر، فإن من لا يعلم حسن الشيء لا يحل له أن يفعله، واعترضه الدواري فقال: ليس ذلك قول بالحظر؛ لأن القول بالحظر النطق بأن هذا محظوراً، أو اعتقاده أو ظنه، والواقفية لا يقولون بذلك، ولا يعتقدونه ولا يظنونه.
  الخامس: ما ذكره في الغاية وشرحها، وهو أنه إذا ملك جواد بحراً لا ينزف(١) وأخذ مملوكه قطرة من ذلك البحر، فلا قبح يدرك بالعقل في ذلك ضرورة، وتناول العبد المستلذات التي خلقها الله من دون إضرار بمنزلة تناول مملوك قطرة من بحر ملك بل أقل.
  قال #: وما قيل: من أنه إن أريد أن لا حكم بالحرج فمسلم، ولكنه لا يستلزم الحكم بعدم الحرج، وإن أريد خطاب الشارع بعدم الحرج فلا شرع، وإن أريد حكم العقل بالتخيير تناقض؛ لأن المفروض أنه لا حكم للعقل فيه، فجوابه اختيار الآخر ومنع
(١) نزفت البئر إذا استخرجت ماءها ونزفت هي يتعدى ولا يتعدى. تمت مؤلف.