قوله تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون 6 ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم 7}
  فإن قيل: هلا كان الثواب والمدح المستحق على ترك القبائح كافياً في الزجر عنها حتى يخرج به عن الإغراء، لأن المعلوم أن البشر يتحملون المشاق العظيمة في طلب المنافع من الأسفار وخدمة السلاطين، وتحمل مشقة ترك القبيح لنيل الثواب العظيم الدائم أهون من تحمل مشقة الأفعال المؤدية للمنافع العاجلة، وإذا كانت أهون كان استحقاق المنافع العظيمة على ترك القبيح صارفاً عن فعل القبيح، فيخرج الباري تعالى بوعده من ترك القبائح بالمنافع التي لذتها لا تعادلها لذة فعل القبيح ولا تقاربها عن كونه مغرياً بالقبيح، كما يخرج بالوعيد بالعقاب، وبذلك يبطل هذا الدليل.
  قيل: لا نسلم أن المنافع الآجلة الموعود بها على ترك لذة عاجلة كافية في الصرف عن اللذة العاجلة؛ لأن العاجلة معلومة ضرورة، والآجلة لا تعلم إلا دلالة يقدح فيها الشك والشبهة، والنفس إلى تحصيل ما لا شك فيه أميل منها إلى تحصيل ما العلم بحصوله أضعف، وهذا معلوم.
  ومن أمثال العرب: (إذا أعطيت دُرَّة منقودة ودُرَّة موعودة، فخذ الدُرَّة المنقودة، وذر الدُرَّة الموعودة). وقد نبه الله تعالى على ذلك بقوله: {إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ}[الإنسان: ٢٧] ونحوها، سلمنا استواء العلم بحصول المنافع العاجلة والآجلة، لكنا نعلم جواز انحباط الآجلة، ومع هذا التجويز يصير الوصول إلى منفعة الثواب مظنوناً بل مشكوكاً فيه، واللذة العاجلة غير مشكوك في حصولها، وحينئذٍ لا يكون الوعد