مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

قوله تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون 6 ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم 7}

صفحة 1606 - الجزء 3

  قال #: فظاهر الكلامين التناقض، وليس كذلك فإنما مرادهم هنا بالتكليف الحتم والإلزام لا مجرد الإعلام، وقد ظهر مما قررنا أن الحتم والإلزام للفعل لا يكفي في حسنه كونه واجباً في نفسه، بل لا بد من أمر زائد وهو دفع الضرر المستحق عليه.

  فإن قيل: لِمَ لا يحصل منا إلزام الغير دفع الضرر عن نفسه قَبْلَ وَرُودِ الشرع. وقد حصل وجه الحسن وهو إلزامه دفع الضرر عن نفسه، كما قلتم: إن ذلك وجه حسن الإلزام من الباري تعالى ونحن قد علمنا استحقاقه للعقاب عقلاً؟.

  فالجواب: أنا وإن علمنا استحقاقه من جهة العقل فنحن لا نعلم القدر المستحق إلا بالسمع، وحينئذٍ لا يؤمن أن يكون الضرر الذي يلحقه بإلزامنا وهو تألمه بذلك أكثر من العقاب المستحق على الإخلال والإقدام فيكون ظلماً، والإقدام على ما لا يؤمن قبحه قبيح، بخلاف الباري تعالى لعلمه بالقدر المستحق. والله أعلم.

  الوجه الثالث: أن في الأفعال ما يجب ولا يحسن إيجابه، كمن خوفه السلطان بضرر عظيم إن لم يشاطره على ماله فإنه تجب عليه المشاطرة، وإن كان لا يحسن من السلطان الإيجاب والأخذ.

  قال القرشي: ولقائل أن يقول: لا معنى لكون الله أوجب إلا أنه عرف بالوجوب.

  قلت: إما بإقامة الدلالة، أو خلق العلم فيه بوجوبه.