الموضع الرابع: في ذكر شبه المخالفين وبيان بطلانها
  غيره بشيء أنها طالبة لذلك الشيء سواءً وجدت الحروف والأصوات أم لا، وذلك الطلب هو الكلام عندهم لا صيغة الأمر والنهي؛ إذ لو كان الطلب هو الصيغة لما اختلف حاله بالمواضعة، ومعلوم أنه يختلف باختلاف المواضعة، فإنه يجوز أن توضع صيغة الطلب للخبر والعكس، بل يجوز أن لا توضع لمعنى(١)، وإذا ثبت وجود الطلب من دون الحروف والأصوات، وأن صيغة الطلب لم يكن المجردها اقتضاء، ثبت أنها لم تكن أمراً ولا نهياً إلا لدلالتها على الطلب، وذلك الطلب هو الأمر والنهي، قالوا: وماهية الطلب ليست أمراً وضعياً بدليل أنها لا تنقلب ماهية لغيره، قالوا: فثبت أن الكلام النفسي هو هذا الذي لا تنقلب ماهيته، والصيغة دالة عليه، وإذا ثبت هذا فالمعلوم ضرورة أن الطلب متميز عن العلم والإرادة، والفكر، والقدرة، والحياة وغيرها، وإنما يشتبه ببعضها، وذلك نحو اشتباه طلب الفعل بالإرادة، وطلب الترك بالكراهة.
  قالوا: وليس ذلك الطلب نفس الإرادة والكراهة بدليل أنه تعالى قد يأمر بما لا يريد وينهى عما يريد، وإذا ثبت هذا ثبت أن الحسن والقبح لا يرجعان إلى نفس الفعل، إذ لو كانا كذلك لبطل كون تعلق الطلب ذاتياً؛ لأنه والحال هذه طلب الفعل والترك لأمر يرجع إلى الفعل، وهو ما له من الصفات والاعتبارات، وتقرير هذه الشبهة إنما هو تبع (للمقبلي) فإنه قال إنها مبنية على أن الطلب صفة ذاتية متميزة عن العلم والإرادة، وفي كلام (السعد) عن بعض الشراح ما يدل
(١) وتكون من المهملات. تمت مؤلف.