قوله تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون 6 ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم 7}
  فإن قيل: هلا قلتم بكمال الغرض بالتكليف وهو التعريض للمنافع بإكمال علوم العقل من دون إرادة فعل الواجبات، واجتناب المقبحات.
  قيل: لا لأن الثواب لا يستحق على الله تعالى إلا لأجل مطابقة مراده؛ لأنه مجازاة، وإذا لم يستحق إلا بالإرادة فالإرادة والأمر كمال التعريض، وإذا أراده ولم يدع إليه عاد على إرادته بالنقض، وبهذا تظهر لك فائدة الإرادة. والله الموفق.
  فإن قيل: قد أقمتم الدلالة على عدم اعتبار القيدين المذكورين، لكن بقي قيد لا بد من اعتباره وهو تجويز انتفاع المحسن إليه بذلك الفعل؛ لأنه إذا فعله وهو قاطع أنه لا ينتفع به أحد جرى مجرى العبث؛ إذ لا فائدة فيه حينئذٍ للمحسن، ولا للمحسن إليه، وإذا كان عبثاً لم يكن إحساناً ولا نعمة.
  فالجواب: أنا لو جعلنا ذلك شرطاً في مصير الإحسان إحساناً لم يكن له وجه إلا أن تمام كونه إحساناً وقوع الانتفاع به، وإلا فلا وجه لاشتراط تجويز وقوعه إذا لم يكن لوقوعه تأثير في مصير التمكين إحساناً؛ لأنه يكون أجنبياً مع عدم تأثيره في الإحسانية، فلا فرق بين أن نشترطه، أو نشترط طلوع الشمس من مشرقها، إذ هما على سواء في الأجنبية كما تقدم، وقد ثبت أن الإحسان يكمل إحساناً بمجرد التمكين، وإن لم يقع الانتفاع به كما حققناه، وحينئذٍ لم يبق وجه لاشتراط تجويز الانتفاع به، وهذا وجه واضح جلي لا ينازع فيه إلا معاند. ثم إنا لو اعتبرناه لخرج من الإحسان ما هو منه بالاتفاق،