قوله تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون 6 ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم 7}
  واعلم أنا قد أطلنا الكلام في إبطال هذه الشبهة وحل ما أبرمه الخصوم في تقريرها لما تقدم من أنها أعظم شبه المجبرة: في إبطال مسألة التحسين والتقبيح العقليين، ولهذا أوردها الرازي وأرعد وأبرق في تقريرها، وحيث قد من الله علينا بمعرفة الحق فيها، وتبين بمعونة الله سبحانه حسن تكليف من هذا حاله بما أوضحناه من البراهين القاطعة فلنرجع إلى ما قالوه من أنه لم يبق إلا قبح التكليف أو سقوط العقاب، فنقول:
  أما التكليف فقد ثبت حسنه بما تقدم، وأما سقوط العقاب فلا ملازمة بين حسن التكليف وسقوطه بحال، بمعنى أنه إذا حسن التكليف لزم سقوط العقاب.
  فإن قالوا: بل الملازمة ظاهرة؛ لأن التكليف سبب للعقاب، والعقاب ضرر خال عن النفع، فوجب سقوطه؛ لأنه قبيح.
  قلنا: قد تقدم أن التكليف ليس سبباً في العقاب، وإنما سببه الكفر، فبطلت الملازمة؛ سلمنا، فلا نسلم قبح العقاب حينئذٍ؛ لثبوت استحقاقه، وذلك كاف في حسنه، وقد قررنا ذلك بلا مزيد عليه، فتأمله موفقاً إن شاء الله.
  واعلم أنه لا خلاف بيننا وبين المجبرة في حسن تكليف من علم الله أنه يكفر، إلا أنهم قالوا: إنما يحسن لأنه لا يقبح من الله قبيح، وإن كان قبيحاً في الشاهد، ونحن نقول بحسنه للوجوه المتقدمة بحيث لو لم تكمل فيه وجوه الحسن لحكمنا بقبحه؛ لأنه يقبح القبيح لوقوعه على وجه شاهداً وغائباً.