قوله تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون 6 ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم 7}
  تعالى إليها، فيكون العبد ملجأ إليها، وذلك هو الجبر، كما تقدم تقريره في مسألة الداعي والمرجح.
  المسلك الثاني: أن الأوامر والنواهي الشرعية إذا توجهت إلى شخصين فقبل أحدهما ولم يقبل الآخر، فلا بد من أمر حصل عنده قبول أحدهما دون الآخر.
  فإن قلتم: إن القابل أحب الثواب وخشي العقاب، أو أصغى إلى من علمه وقبل منه.
  قلنا: ولم وقع منه ذلك دون الآخر؟
  فإن قلتم: لأنه حازم لبيب فطن.
  قلنا: لِمَ اختص بهذا دون الآخر فلا بد أن تنتهي التعليلات إلى أمور خلقها الله؛ لأن الفطانة ونحوها وأضدادها من البلادة والغباوة والخرق أمور غريزية فإن الإنسان لا يختار لنفسه الغباوة ونحوها، ولا يفعلها في نفسه، وإذا كانت هذه الأمور بخلق الله تعالى علمنا أن الطاعة والمعصية بقضاء الله، ولا يمكن التسوية بين الطائع والعاصي في العقل والجهل، والفظاظة، والفطنة، والمعلمين ونحوها، ولا يمكن القول بأنهما لو استويا في ذلك لما استويا في الطاعة والمعصية، فثبت أن الطاعة والمعصية بقضاء الله وقدره، وليس من العدل أن يخلق العاصي على ما خلقه عليه من هذه الخصال المذمومة ثم يعاقبه عليها، وليس من العدل أن لا يرزقه معلماً مثل الذي علم المطيع في البلاغة وحسن التأديب، والتعليم، والمعرفة، ثم يؤاخذه بما يؤاخذ