المسألة السادسة: في التحسين والتقبيح العقليين
  بطل إثبات الكلام النفسي، وببطلانه تبطل شبهتهم هذه؛ لأنها مترتبة عليه، وكيف يقوم الفرع والأصل مختل، فنقول: نحن نلتزم ما ألزمتمونا وهو عدم كون تعلق الطلب ذاتياً.
  ومع التسليم لكون تعلق الطلب ذاتياً فالمتعلق بالكسر من حيث أنه متعلق تابع لمتعلقه فلا يتحقق التعلق بدونه، وذلك لا ينافي كون تعلقه لذاته فنقول: تعلق الطلب بالفعل من حيث أنه موصوف بالحسن أو القبح لا بمطلق الفعل، لا ينافي كون تعلقه لذاته.
  قيل: وهذه الشبهة موضوعة على نفي الحكمة، ولا خفاء في بطلانه(١).
  الشبهة الثانية: لو لم يكن الباري تعالى إلا مبيناً لما في نفس الأمر من الحسن والقبح لم يكن مختاراً في الحكم، بل يكون كالمفتي والقاضي بين الحكم، ثم ألزم وتوعد، أو وعد على فعله أو تركه.
  والجواب: إن أردتم أنه غير مختار، بمعنى أنه لا يقع الحكم بخلاف ما في نفس الأمر فهو مذهبنا، وإن أردتم أنه ليس بمختار بمعنى أنه يصير مضطراً إلى التبيين فلا وجه للزومه، وهو ظاهر البطلان، وأما قولكم إنه يكون كالمفتي والقاضي، فإنما هو تشنيع وإلا فإن الماهيات كلها كالواجب، والقديم، والممكن، والنفي، والإثبات، وغيرها متقررة بخصوصياتها التي بها تمايزت، وتقررت، وعلمت، ولذا أنكر الله سبحانه على من لم يفرق بين ماهيتين بالاستفهام، والتعجب،
(١) أي بطلان نفي الحكمة. تمت مؤلف.