المسألة السادسة: في التحسين والتقبيح العقليين
  والإنكار كقوله: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}[الزمر: ٩]، وقوله: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ ...}[الجاثية: ٢١] الآية.
  وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ...}[النحل: ٩٠] الآية. ونحوها مما يدل على أن المنهيات والمأمورات متقررة كتقرر القديم، والحادث، والنفي، والإثبات، فمن قال: إنه لا فرق بين الإحسان والإساءة إلا بحسب اعتبار التعارف، وأنه لا معنى للفاحشة إلا بحسب التعارف، وإلا فهي والإيمان سواء في الخلو عن الحكم، وعند الشارع، وإنما اتفق الأمر بأشياء، والنهي عن أشياء لا لأمر، فلا فائدة في مناظرته، ولا الخوض في الكلام معه لهدايته؛ إذ لا مطمع في إنصافه وانقياده للحق.
  والحاصل أن الفرق بين تبيين الله تعالى للأحكام، وتبيين المفتي والقاضي لا يجهله إلا غبي، فإن الله تعالى لما كان عالماً بما في بعض الأفعال من المصالح، وما في بعضها من المفاسد قضت حكمته بالأمر بالمصالح والنهي عن المفاسد باختياره لحكمته، وهذا معنى البيان الحاصل منه سبحانه وتعالى، وليس كذلك بيان المفتي والقاضي.
  الشبهة الثالثة: أن القول بثبوت الحسن والقبح عقلاً يؤدي إلى قيام المعنى بالمعنى وتحقيق ذلك على ما ذكره في الغاية وشرحها أن القبح معنى والفعل معنى، فإذا كان القبح صفة ثابتة للفعل لزم قيام المعني بالمعنى، والدليل على أن القبح معنى أنه ليس ذات الفعل ولا جزءاً منها، فوجب أن يكون زائداً على الفعل، ثم إنه موجود بنفسه؛ لأنه نقيض اللاقبح القائم بالمعدوم والقائم بالمعدوم معدوم، وإذا كان