مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

قوله تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون 6 ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم 7}

صفحة 1664 - الجزء 3

  فجوابه أن هذا لا يرد إلا على من يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، وأما نحن فلا نجوزه، وقد تقدم الكلام عليه في المسألة الأولى من مسائل الآيتين.

  الوجه الثاني: أن التجاوز عن الوعيد مستحسن عند الناس، قال الشاعر:

  وإني إذا أوعدته أو وعدته ... لمخلف إيعادي ومنجز موعدي

  بل الإصرار على الوعيد كأنه يعد لؤماً، وإذا كان كذلك وجب أن لا يصح من الله تعالى.

  قال الرازي: وهذا بناء على حرف وهو أن أهل السنة جوزوا نسخ الفعل قبل مضي مدة الامتثال، وحاصل قولهم أَن الأمر يحسن تارة لحكمة تنشأ من المأمور به، وتارة لحكمة تنشأ من نفس الأمر، فإن السيد قد يقول لعبده: افعل كذا غداً وإن كان يعلم أنه سينهاه عنه غداً، ويكون مقصده أن يظهر العبد الانقياد، ويوطن نفسه على امتثال أمره، فكذلك إذا علم الله أن العبد يموت غداً فإنه يحسن عند أهل السنة أن يقول: صل غداً إن عشت، ولا يكون المقصود تحصيل المأمور به؛ لأنه محال، بل لحكمة تنشأ من نفس الأمر فقط وهو حصول الانقياد وتوطين النفس.

  قال: إذا ثبت هذا فنقول: لِمَ لا يجوز ذلك في الخبر فتارة تكون منشأ الحكمة من الإخبار هو الشيء المخبر عنه، وذلك في الوعد،