قوله تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون 6 ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم 7}
  وتارة تكون الحكمة ناشئة من الخبر لا المخبر عنه كما في الوعيد فإن الإخبار بالوعيد يفيد الزجر عن المعاصي والإقدام على الطاعات، وإذا حصل هذا المقصود جاز أن لا يوجد المخبر عنه، وعند هذا قالوا: إن وعد الله بالثواب حق لازم، وأما توعده بالعقاب فغير لازم، وإنما قصد به صلاح المكلفين مع رحمته الشاملة لهم كالوالد يهدد ولده بالقتل وغيره.
  فإن قبل الولد أمره انتفع، وإلا فشفقة الوالد ترده عن قتله وعقوبته.
  فإن قيل: فعلى جمع التقادير يكون ذلك كذباً، والكذب قبيح.
  قيل: لا نسلم أن كل كذب قبيح، وإنما القبيح الضار دون النافع، سلمنا لكن لا نسلم أنه كذب، أليس أن جميع عمومات القرآن مخصوصة ولا تسمى كذباً، أليس المتشابه مصروفاً عن ظاهره ولا يسمى كذباً، فكذلك هاهنا(١). أقول: هاهنا أفصح الرازي بما فهمناه من إيراده لهذه الشبه، وهو أنه إنما أراد بها تقوية مذهب أصحابه، ألا ترى أنه هنا في أول كلامه إنما حكى هذه الوجوه عمن آمن بالقرآن ممن ينفي عقاب الكفار، ثم صرح في هذا الوجه بأن أهل السنة بنوه على مسألة النسخ قبل إمكان العمل.
  والجواب: أما كون إخلاف الوعيد مستحسناً عند العقلاء.
(١) انظر تفسير الرازي الجزء الأول صفحة ٢٧٩.