مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

قوله تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون 6 ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم 7}

صفحة 1666 - الجزء 3

  فليس على إطلاقه، لكنا نقرر قاعدة يتبين بها ما يحسن إخلاف الوعيد فيه، وما يقبح، فنقول:

  اعلم أن الوعيد قد يرد على ضربين:

  أحدهما: قد يتناول نفس الضرر فيكون إخباراً عن إيصال نفس الضرر إلى الغير في المستقبل، كالذي يتوعد غيره بضرب عنقه، ويقصد الإخبار بذلك.

  والثاني: يتناول العزم على فعل الضرر بالغير في المستقبل دون نفس الضرر، كالذي يتوعد غيره بضرب العنق، ومقصوده الإخبار عن عزمه على ذلك، لا عن الضرر نفسه، وهذا هو الذي يجوز في العباد دون الأول؛ لأن العبد لا يعلم ما يكون في غد، ولا يدري هل يبقى سالماً متمكناً مما يريد أم لا؟ فلا يكون خبره متناولاً إلا العزم على ذلك الفعل؛ إذ لا يجوز أن يخبر بما لا يعلم هل يصير إليه أم لا؟ فإذا كان الحال كذلك جاز للعقلاء، وحسن منهم أن يطلبوا من أحدنا إخلاف وعيده؛ لأنهم إذا أحسنوا به الظن حملوا وعيده على الوجه الجائز ولم يحملوه على الإخبار بما لا يعلم وصوله إليه، ولا تمكنه منه، ولا يحسن منهم ذمه على الإخلاف، ولا وصفه بأنه كاذب لما تقدم من أن الظاهر أنه إنما أخبر عن عزمه لا عن نفس المضرة، فكأنه قال: أنا عازم أن أفعل كذا، وكذا، ولا شك أنه صادق في خبره عن عزمه، فإذا ظهر خطأ ذلك الفعل وصواب العفو عنه، فرجع عن عزمه لم يوصف بأنه كاذب، ولا يستحق ذماً،