مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

قوله تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون 6 ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم 7}

صفحة 1667 - الجزء 3

  بل حيث ظهر الخطأ ولم يرجع استحق اللوم، ثم إنا لو قدرنا أنه أخبر عن نفس الضرر لا عن عزمه عليه، فلا يمتنع أنه قد توعد بالظلم ونحوه مما لا يستحقه من توعده، وحينئذٍ يحسن من العقلاء سؤاله ترك ذلك، بل يجب عليهم ولا يستحق لوماً ولا ذماً بترك ما قبح منه فعله، بل ترك ذلك واجب عليه، ولو كشف عن كون ذلك الوعيد كذباً؛ لأنه لم يصر كذباً بالخلف، بل كشف عن كونه عند إيقاعه كذباً لإخباره على القطع عما لا سبيل إلى القطع فيه، فلم يصر لأجل الخلف كاذباً فيقبح⁣(⁣١) بل كشف عن أنه كان كاذباً، وذلك لا يقتضي قبح الخلف.

  وإذا عرفت هذه القاعدة وتقررت لديك علمت أنه لا يجوز من الله تعالى إخلاف الوعيد؛ لأن هذه الوجوه المقتضية لجوازه في الشاهد منتفية في حقه تعالى، وبيان ذلك أنه تعالى يخبر لا عن عزم ولا ظن، ولا اعتقاد؛ لأنها لا تجوز عليه تعالى علواً كبيراً، بل يخبر عن علم فلو خالف كان كاذباً، والكذب لا يجوز عليه سبحانه؛ لأنه لا يكون متوعداً بالظلم لأن العقاب مستحق كما قال تعالى: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا}⁣[الاحقاف: ١٩] ولو قدرنا في الواحد منا أنه توعد بماله إيصاله كالحد، فليس الخلف فيه كرم. ذكره القرشي.

  وبعد، فإن ظاهر كلام الخصم أنه يصح وصف الله تعالى بالخلف، وهو ظاهر البطلان.


(١) أي الخلف. تمت مؤلف.