مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

قوله تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون 6 ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم 7}

صفحة 1669 - الجزء 3

  على جواز النسخ قبل مضي مدة الامتثال، فهو بناء على أصل فاسد لما تقرر في موضعه من أنه يلزم البداء أو العبث، وما أبداه في بيانه من أن الأمر يحسن تارة لحكمة تنشأ من المأمور به ... إلخ.

  فجوابه: أنهم قد بنوا هنا على غير أصلهم، فإن أفعال الله لا تعلل بالحكمة عندهم، ولكنهم لا يبالون في تقرير مذاهبهم بما ارتكبوا من خلاف قواعدهم، ولهذا تجدهم يؤيدون أقوالهم بشبه الكفار، وأما هنا فقد أيدوها بأقوال أهل العدل، إلا أنه أخطأ في جعل الحكمة ما ذكره، وإنما هي ما يعلمه الله من المصلحة في التكليف بالفعل إلى وقت، ثم يبين رفعه عند انتهاء وقته، والمصالح تختلف باختلاف الأوقات والأشخاص وغيرها، وإنما جعلنا الحكمة ما ذكرنا لما يلزم على قوله من البداء أو العبث، فأما قولهم: إن المقصود هو توطين النفس على الامتثال، وإن علم الأمر أن المكلف يموت قبل الوقت، فجوابه من وجهين:

  أحدهما: أنه يكون من التكليف بما علم الأمر انتفاء شرط وقوعه؛ وهو باطل.

  الثاني: أن وجوب العزم فرع وجوب المعزوم عليه والداعي إليهما واحد، فإذا انتفى المعزوم عليه انتفى العزم، سلمنا فالتعبير عن العزم بالفعل إلغاز وتعمية؛ إذ لم يوضع له، ولا قرينة تدل عليه، ولو سلم لم يكن من النسخ في شيء؛ لاختلاف المتعلقين، وإذا ظهر بطلان الأصل بطل ما فرعه عليه في الأخبار. ثم إنا نقول: جعلكم منشأ