قوله تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون 6 ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم 7}
  الحكمة في الوعد المخبر عنه وفي الوعيد الخبر نفسه تحكم محض فإن لنا أن نقلب عليكم القضية.
  فإن قلتم: إنما قلنا ذلك لأن في الوعيد زجراً عن المعاصي، وحثاً على الطاعة.
  قلنا: وفي الوعد أيضاً ترغيب في الطاعة، وزجر عن المعاصي المانعة من نيل الموعود به، فليس أحدهما يجعل منشأ الحكمة فيه المخبر عنه وفي الآخر الخبر بأولى من العكس، سلمنا، فما فائدة هذا الزجر عن المعاصي مع عدم العقاب عليها، وأي أثر يؤثر في تركها مع علم مرتكبها بأنه لا يصل إليه شيء من ذلك الوعيد، وما هذا الصلاح الذي أراده بالمكلفين مع هذه الرحمة الشاملة؛ إذ الصلاح أن يزجرهم عما يوجب لهم الضرر العظيم، وهنا لا ضرر عظيم ولا حقير، فأما القياس على تهدد الوالد ولده ثم عفوه عنه فقياس باطل؛ لأن الوالد يلتذ بنفع ولده، ويتضرر بقتله وعقوبته، فالتهدد والعفو فيهما نفع للوالد، ودفع مضرة عنه، وليس كذلك الباري تعالى فإنه لا يلتذ ولا يتضرر، فحسن من الوالد العفو لنفع نفسه، ودفع الضرر عنها، ولأن عقوبة ولده قد تكون ظلماً، ولا يعد كاذباً؛ لما مر من أنه إنما أخبر عن عزمه، بخلاف الباري تعالى فإنه لا يخبر إلا عن علم، فلو تخلف ما أخبر به كان كاذباً لا محالة.
  فأما قوله: إنه لا يقبح الكذب النافع، فقول باطل فإن الكذب لا يخرج عن القبيح بحال.