قوله تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون 6 ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم 7}
  فإن قالوا: أنتم توافقون في حسن الكذب المتضمن لإخفاء نبي ممن يريد قتله.
  قلنا: لا نسلم حسنه، بل نقول: تعارض قبيحان الكذب وهلاك النبي بسبب الصدق، فرجح ارتكاب الكذب لكون قبحه أهون، مع أنه لا يجوز ارتكابه إلا مع عدم إمكان التعريض، وإلا فهو المقدم كما فعل بعض الصحابة وقد سئل عن النبي ÷ من هو؟
  فقال: رجل يهدينا السبيل، فأما إذا كان النفع الحاصل بالكذب مجرد عن لزوم القبيح بقواته فلا.
  نعم، قد قيل: إن قبح الكذب النافع لا يعلم إلا بالسمع كما مر(١). وإذا ثبت قبح الكذب مطلقاً ثبت أن إخلاف الله الوعيد لو وقع لكان قبحه مجرداً عن المعارض الذي يجوز معه ارتكابه؛ لأنه لا معارض يقدر إلا العقاب، وهو مستحق، والمستحق لا يقبح.
  وأما قوله: إن جميع العمومات القرآنية مخصوصة ... إلخ.
  فجوابه: أنا لا نسلم أن جميع العمومات القرآنية مخصوصة، فما هذه المجازفة في الدعوى، أين المخصص لقوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} وقوله: {رَبِّ الْعَالَمِينَ ٢}[الفاتحة] إلى غير ذلك، ثم إنا لم نجد لآيات الوعيد مخصصاً من المخصصات التي يدعونها، وليست متشابهة فنصرفها عن ظاهرها، ولم نجد لها قيداً فنقيدها به غير التوبة من المعاصي، والإقلاع عنها، والقيام بالواجب.
(١) في الفاتحة. تمت مؤلف.