تفسير قوله تعالى: {ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين 8}
  ثنا خليد، عن دعلج، عن قتادة، عن أنس، قال رسول الله ÷: «إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم».
  احتج أبو حنيفة ومن وافقه بوجوه:
  أحدها: أن الفسق شرط وجوب التثبت فإذا انتفى لم يجب التثبت، وهاهنا قد انتفى الفسق فلا يجب التثبت وأجيب بأنا لا نسلم انتفاءه، وإنما انتفى العلم به، والمطلوب العلم بانتفائه، وذلك لا يحصل إلا بالاختبار.
  الوجه الثاني: أن ظواهر قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ}[آل عمران: ١١٠] ونحوها يدل على أن الأصل في هذه الأمة العدالة، وذلك يوجب قبول رواية كل فرد منهم، مالم يعلم مانع من قبوله من فسق أو غيره.
  والجواب: أنا نرجئ الجواب عن الآيات وبيان المراد منها إلى مواضعها إن شاء الله، إلا أنا نقول هنا: لا نسلم أن الأصل العدالة، بل الظاهر أصالة الفسق، قال العضد: لأن العدالة طارئة، ولأن الفسق أكثر، قال سعد الدين: فهو أغلب على الظن وأرجح، وهو معنى الأصل. قال السيد صلاح بن أحمد: في كون العدالة طارئة نظر؛ لأن الصبي يبلغ عدلاً حتى تصدر منه معصية.
  قلت: وفي نظره # نظر؛ لأن العدالة لا تثبت إلا مع حصول شرائطها وهي لا تحصل دفعة عند أول بلوغه، بل غايته أن يبلغ عارياً عن الوصفين، مع أن المعتبر تحقق العدالة، وتحققها يحتاج إلى اختبار، وذلك لا يكون عند أول أحوال بلوغه؛ إذ لا يمكن اختباره في تلك الحال غالباً على أن المراد بأصالة الفسق من حيث كثرته وغلبته لا من حيث أنه أول ما يكون عليه المكلف، فتأمل.