مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

المسألة الرابعة [الجهل ليس بعذر]

صفحة 1813 - الجزء 3

المسألة الرابعة [الجهل ليس بعذر]

  ظاهر قوله: {أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ١٢}⁣[البقرة] أنهم لا يشعرون بأن ما هم عليه من الخلاف، والمعاندة، وترك الواجب، وارتكاب المناهي من الفساد، فتدل الآية على أن الجهل ليس بعذر للعاقل؛ لأن هذه الآية واردة في ذمهم وتوبيخهم على أفعالهم.

  قال ابن جرير: وهم يحسبون أنهم بفعلهم ذلك مصلحون فيها، فلم يسقط الله جل ثناؤه عنهم عقوبته، ولا خفف عنهم أليم ما أعد من عقابه لأهل معصيته، بحسبانهم أنهم فيما أتوا من معاصي الله مصلحون، بل أوجب لهم الدرك الأسفل من ناره، والأليم من عذابه، والعار العاجل بسب الله إياهم، وشتمه لهم، فقال: {أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ١٢}⁣[البقرة] قال: وذلك من حكم الله جل ثناؤه فيهم، أدل دليل على تكذيبه تعالى قول القائلين: إن عقوبات الله تعالى لا يستحقها إلا المعاند ربه. فيما لزمه من حقوقه وفروضه، بعد علمه، وثبوت الحجة عليه بمعرفته، بلزوم ذلك إياه.

  قلت: ويشهد لهذ قوله تعالى: {أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ ١٣}⁣[البقرة] وقوله: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا ١٠٣ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ...} الآية [الكهف: ١٠٤ - ١٠٣]، وقوله: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ...} الآية [النساء: ١٧] فشرط في عدم المؤاخذة لهم التوبة. لا يقال: فيلزمكم في الناسي؛ لأنا نقول: فعل الناسي كلا فعل، بخلاف الجاهل، فإنه قاصد لفعله، ومتعمد لما ارتكبه.