المسألة الأولى [في الضياء والظلمة]
  الرابع: أن الشمس إذا طلعت من دائرة الأفق استضاء وجه الأرض، ومن المحال أن تنتقل الأجسام منها إلى الأرض؛ لا ستحالة الطفر، والضوء قد حصل دفعة واحدة، فوجب أن لا يكون جسماً.
  وأما القائلون بأنهما جسمان فلم أظفر لهم بحجة واضحة، إلا أنهم أطلقوا اسم النور والظلمة على الأجسام، وجعلوا البياض والسواد وصفاً لها، وهي حجة ضعيفة كما ترى، ولذا قال الإمام عز الدين #: الأقرب أنه خلاف لفظي، وقد حقق ذلك في الغياصة بعد أن حكى أنهما جسمان، ونسب الخلاف إلى أبي الهذيل، ثم قال: لا خلاف أن النور أجسام وجواهر فيها بياض، والظلمة أجسام وجواهر فيها سواد.
  قال: فعندنا أن الاسم وقع على الأجسام والجواهر، والبياض والسواد وصف لذلك، وانبساطها وانقباضها، وعنده أن الاسم واقع على السواد والبياض؛ لأن ذلك السابق إلى الفهم، وإن لم يخطر بالبال الجسم الذي هو المحل والجواهر.
  قلت: وقد احتج بعضهم على جسمية النور بأن الهواء إنما يضيء بمجاورة لا بعرض يحله، وإلا لم يزل بغروب الشمس؛ وهو ضعيف؛ لأن العرض لا يبقى عند وجود ما ينافيه، والظلمة تنافي النور كما قيل: إنها عرض منافية له.
  احتج الإمام يحيى على أن الظلمة عدم النور بأن حال البصير في الظلمة التامة كحال الأعمى، ثم إن الأعمى لا يدرك كيفية الظلمة؛