المسألة الثانية [الجواب على شبهة التعلق بقول الله تعالى: {ذهب الله بنورهم}]
  في ظلمات الجهل لا يبصرون هدى، ولا يهتدون إلى رشاد، وقد روى معنى هذا ابن جرير بسنده عن ابن عباس قال: قوله: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا ...} إلى {فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ١٨}[البقرة] ضربه الله مثلاً للمنافق، وقوله: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ}[البقرة: ١٧] قال: أما النور فهو إيمانهم الذي يتكلمون به، وأما الظلمة فهي ضلالتهم وكفرهم يتكملون به، وهم كانوا على هُدى، ثم نزع منهم، فعتوا بعد ذلك.
  والجواب: أنا لا نسلم أن المقصود بالآية ما ذكرتم، ولا يقتضيه ظاهرها ولا يحتمله، وقد ذكر المفسرون في معناها وجوهاً كلها محتملة، وبها يبطل دعوى الخصم في معناها:
  أحدها: أن المنافقين لما تكلموا بلا إله إلا الله أضاءت لهم في الدنيا، بإجراء أحكام المسلمين عليهم، وحقن دمائهم، فلما ماتوا سلبهم الله ذلك النور، أي لم ينفعهم نطقهم بالشهادة مع إبطانهم الكفر؛ وهذا مروي عن قتادة؛ ويؤيده ما رواه ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والصابوني في المائتين عن ابن عباس، قال: هذا مثل ضربه الله للمنافقين أنهم كانوا يعتزون بالأنساب، فيناكحهم المسلمون، ويوارثونهم، ويقاسمونهم الفيء، فلما ماتوا سلبهم الله ذلك العز، كما سلب صاحب النار ضوءه {وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ}[البقرة: ١٧] يقول: في عذاب.
  الثاني: أن الله أذهب نورهم بإطلاع المؤمنين على كفرهم، فقد أذهب منهم نور الإسلام بما ظهر من كفرهم.