تفسير قوله تعالى: {ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون 17 صم بكم عمي فهم لا يرجعون 18}
  الثالث: أن المراد أنهم أوقدوا ناراً حقيقة؛ ليتوصلوا بها، وبنورها إلى فسادهم، وعبثهم، ومعاصيهم، فأخمد الله نارهم، وأضل سعيهم. الرابع: أن هذه النار مجاز عن عداوة أهل النفاق وحقدهم، وما كانوا يحاولونه من إثارة الفتنة؛ وإذهاب الله إياها، دفعُ ضررها عن المؤمنين، كما قال تعالى: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ}[المائدة: ٦٤]. وهذه الوجوه لا يبقى معها لأهل الزيغ في الآية شبهة؛ لأن إسناد الذهاب بنورهم إلى الله تعالى على أحد هذه الوجوه، ولا يلزم منه ما ذكره الخصم؛ ثم إنا لو سلمنا احتمالها لما ذكرتم، وأنها ظاهرة في أن الله نزع منهم الإيمان، فنقول: قد ثبت قطعاً تنزيه الله تعالى عن إضلال عباده، وحينئذ تكون الآية من المتشابه، فيجب تأويلها بما يطابق دليل العقل، ومحكم الكتاب، لا بما يخالفهما.
  ولنا في تأويلها وجوه:
  أحدها: أن الله تعالى فعل بهم ذلك عقوبة على فعلهم، وجزاء على حسن صنيعهم، كما قال الإمام أحمد بن سليمان وغيره في الطبع والختم.
  الثاني: أن الله تعالى سلبهم الألطاف، ومنعهم منها، وخذلهم؛ لما علمه من عدم التطافهم وقبولهم، فلما وقع بهم ذلك ذهب ما كان معهم من الهدى، فأسند إلى الله من باب الإسناد إلى السب؛ ويؤيده ما أخرجه ابن جرير، عن ابن عباس، وابن مسعود وناس من الصحابة أن ناساً دخلوا في الإسلام مقدم النبي ÷ المدينة، ثم أنهم نافقوا،