مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير 20}

صفحة 1863 - الجزء 3

  ويؤيده أنهم قد وضعوا لكثير من المسميات أسماء كثيرة⁣(⁣١)، مع أن الحاجة إلى التخاطب بها ليست كالحاجة إلى التخاطب بالعموم.

  الدليل الثاني: أن أهل اللغة يؤكدون ألفاظ العموم بكل، وأجمعين، فيقولون: جاء القوم كلهم أجمعون، وهذا يدل على أن المؤكَّد بفتح الكاف للعموم، لوجهين:

  أحدهما: أنه قد ثبت بما سيأتي أن قولهم: كلهم أجمعون يقتضي العموم، فيجب في القوم أن يكون كذلك؛ لأن من حق التأكيد أن يكون مطابقاً للمؤكد، وإلا لم يكن تأكيداً له.

  الثاني: أنهم إنما قصدوا بذلك المبالغة في شمول الخطاب لما يصلح له، وتمكين الأمر المؤكد في النفس، فلو كان المؤكَّد - بالفتح - موضوعاً للخصوص أو له وللعموم، لكان التأكيد زيادة في البعد عن الاستغراق، وهو خلاف ما علم من قصد واضعي اللغة.

  فإن قيل: لا نسلم أنهم قصدوا بذلك المبالغة والتمكين في النفس، وإنما أكدوا لأن التأكيد أكثر شمولاً، وأظهر عموماً.

  قيل: هذا باطل، فإن فائدة التوكيد عند أهل اللغة تقرير المؤكَّد، لأن له معنى مخالفاً؛ سلمنا، فالتأكيد إما أن يستوعب، فهو الذي نقول. أولا فاللبس، والبعد عن الاستغراق ثابت، وهو خلاف ما علم عن أهل اللسان.

  الدليل الثالث: أن أهل اللسان فصلوا بين العموم والخصوص،


(١) من ذلك: ما قيل: إنهم وضعوا للخمر خمسين اسماً، وللسيف مائة، وللأسد مائتين. تمت مؤلف.