مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

المسألة الثالثة [في جواز التخصيص بالعقل]

صفحة 1873 - الجزء 3

  قال في الجوهرة: ولا خلاف في وجوب التخصيص بضرورة العقل، وإن خالف بعض من لا يرجع إلى تحصيل في دلالة العقل.

  قلت: أشار بهذا إلى أن من ينفي حكم العقل لا يخصص به. وهم أهل السنة، وقد نبه على هذا في حواشي شرح الغاية، وفيه نظر؛ فإن ابن الحاجب، والرازي، وابن السبكي وغيرهم قد نصو على جوازه.

  فإن قيل: كيف حكمتم بأنا نعلم ضرورة أن الحكيم تعالى لم يرد العموم فيما ذكرتم من الآيات ونحوها، مع أنا لا نعرف ذاته تعالى إلا دلالة، فكيف نعرف صفته⁣(⁣١) ضرورة؟

  قيل: ليس المراد بالمعلوم ضرورة إلا أن الحكم الذي اقتضته هذه العمومات بظاهرها غير واقع، فأما أنه تعالى لم يرد ذلك، فإنما نعلمه دلالة⁣(⁣٢). وأما الضرب الثاني وهو التخصيص بدلالة العقل، فدليله أن يقال: لفظ العموم إذا اقتضى ثبوت الحكم بصور متعددة، ودلالة العقل منعت من ثبوته لبعضها، فإما أن نعمل بموجبهما معاً، وهذا لا يصح لأدائه إلى التنافي، وإما أن نطرحهما معاً، وهو أيضاً لا يصح؛ إذ لا يجوز إبطال الأدلة مع إمكان استعمالها، وإما أن يعمل بالعام فقط، لم يصح؛ لأن دلالة الألفاظ والعمومات معرضة للاحتمال، وللعدول بها عن ظاهرها، ودلالة العقل لا يعدل عنها أصلاً، فتعين أنه يجب العمل بالعقل فيما دل عليه، وبالعام فيما بقى، وهو معنى التخصيص؛ إذ ليس إلا إخراج بعض ما تناوله العام.


(١) وهي أنه لم يرد العموم. تمت مؤلف.

(٢) لأن العلم به تبع للعلم بالذات، وبما يجب لها ويستحيل عليها. تمت مؤلف.