مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير 20}

صفحة 1874 - الجزء 3

  ومثال المسألة قوله تعالى: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}⁣[الأنعام: ١٠٢] فإن العقل يخص أفعال العباد، وكذلك قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}⁣[آل عمران: ٩٧] فإن العقل بنظره اقتضى عدم دخول الطفل والمجنون في التكليف بالحج؛ لعدم فهمهما.

  احتج المخالف بوجوه:

  أحدها: أن من حق الخاص أن يتأخر عن العام، ودلالة العقل غير متأخرة.

  قلنا: لا نسلم، بل يجوز التقدم، والتأخر، والمقارنة.

  قالوا: هو بيان، وحق البيان أن يتأخر عن المبين.

  قلنا: لا نسلم أن من حق البيان التأخر؛ سلمنا، فالعقل وإن كان في قضيته متقدماً فهو في حكم المتأخر؛ لأنه لا يقع به الإخراج إلا بعد ورود العام، فلما كان الإخراج به متأخرا كان في نفسه في حكم المتأخر.

  الثاني: القياس على النسخ، فإنه كما لا يجوز بالعقل، كذلك التخصيص؛ إذ كل من النسخ والتخصيص بيان.

  والجواب: لا نسلم أن النسخ بيان، وإنما هو رفع للحكم، أو يتضمن رفعه، والعقل لا يهتدي لذلك، فلذلك امتنع النسخ به،. وقول الأصوليين: إن النسخ بيان فإنما يريدون به أنه بيان لانتهاء المدة.

  قيل: ولأن النسخ لتغير المصالح، والعقل لا هداية له إلى ذلك، بخلاف التخصيص فإن العقل قد دل عليه وعرفه فافترقا.