مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير 20}

صفحة 1884 - الجزء 3

  بل يماثله، والشيء لا يبطل إلا بضد أو ما يجري مجرى الضد، أو يبطله بسواديته لزم أن تكون السوادية مضادة للوجود، فيستحيل وجود السواد؛ لأن سواديته إذا كانت مضادة لوجوده لزم استحالة وجوده؛ لاستحالة الجمع بين الضدين.

  فإن قيل: نحن نقول بأنه يبطل وجوده، لكن لا على التقرير الذي قررتم، وإنما نقول: إن هيئة السواد التي هي صفة مقتضاة له تقتضي جمع الشعاع⁣(⁣١) تضاد هيئة البياض التي تقتضي تفريقه، فطروء السواد لا يبطل ذات البياض، وإنما يبطل صفته المقتضاة التي هي الهيئة، وإذا بطلت بطل الوجود؛ إذ يستحيل ثبوته وثبوت المقتضي⁣(⁣٢) للهيئة مع حصولها؛ لأن حصول الشرط وهو الوجود، والمقتضِي - بالكسر - وهو البياض هنا مع المقتضَى - بالفتح - وهو الهيئة محال.

  قيل: لنا في الجواب عن هذه وجوه:

  أحدها: أن فيه تعسف.

  الثاني: أنكم قد اعترفتم باستحالة ثبوت الذات مع عدم الهيئة، وإذا استحال ثبوتها فما بقي لكم في العدم، وليس لكم أن تقولوا: أردنا بالثبوت الوجود؛ لأنكم قد عطفتم منع ثبوت الذات⁣(⁣٣) على منع ثبوت الوجود، والعطف يقتضي المغايرة؛ وأيضاً فرقتم بينهما بأن جعلتم الوجود شرطاً والذات مقتضياً.


(١) أي شعاع النظر فإنه يجتمع عند النظر إلى السواد ويفترق عند النظر إلى البياض. تمت مؤلف.

(٢) بالكسر وهو البياض الذي هو الذات. تمت مؤلف.

(٣) وهي المقتضي بالكسر. تمت مؤلف.