تفسير قوله تعالى: {ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير 20}
  الثالث: أن كلامكم يؤدي إلى أن يكون عدم المشروط سبباً في عدم الشرط وتابعاً له، وهو عكس قالب الشرط والمشروط، فلا يصح؛ بيانه أنكم قد جعلتم الوجود شرطاً في حصول الهيئة، ثم قلتم: إن حصول الشرط مع عدم المقتضى - بالفتح - وهو الهيئة محال.
  الوجه الرابع: أنه يلزمكم أن يكون مع الله تعالى في الأزل غيره، وهو خرم لقاعدة التوحيد. وقد أجاب الحاكم عن هذا بأنا نقول: إنه تعالى يعلم الأشياء، ولا نقول: معه أشياء؛ لأن مع للمقارنة، فيقتضي الوجود. ويجاب بأنكم إن أردتم أنه يعلمها فقط من دون ثبوت، فهو قولنا، وإن أردتم يعلمها ثابتة. فهذا الجواب غير مخلص لكم عن الإلزام.
  واعلم أن الأدلة في هذا الموضوع من الجانبين كثيرة، وفيما ذكرناه هنا كفاية، مع أن المسألة كثيرة الورود، وعليها تبنى مسائل متعددة في الأصول، ونحن لا نترك إن شاء الله الزيادة في الأدلة عند ورود ما يقتضي ذلك، وتكرير هذه المسألة، وإن كان القول بثبوت ذوات العالم في الأزل ظاهر البطلان، متضعضع الأركان، ولقد شنع أئمتنا وغيرهم على أهل هذه المقالة، وقالوا: إنها في غاية الخطر؛ لما فيها من نفي تأثير الباري في الذوات، وكثير من الصفات، وإثبات ذوات لا نهاية لها معه في الأزل، حتى أن منهم من قال: لا فرق بين إثبات الذوات في الأزل، وإثبات المجبرة للمعاني القديمة، في الشناعة والخطر، وظهور البطلان.