مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير 20}

صفحة 1887 - الجزء 3

  قال #: ويدل عليه أنه قد ثبت بإجماعهم كون الباري صانعاً للعالم، فلا يخلوا إما أن يكون صنعه هو الذوات، أو الصفات، أو الذوات والصفات، فإن قالوا: هو الذوات بطل قولهم بثبوتها فيما لم يزل، وإن قالوا: هي الصفة التي هي الوجود وتوابعه بطل إقرارهم بأن الباري تعالى صانع للعالم؛ لأن ذوات العالم هي العالم بإجماعهم، فإذا لم يكن صانعاً للذوات - بمعنى أنه جعلها ذواتاً - فليس بصانع للعالم، وإن قالوا: إنه صانع للذوات والصفات خرجوا عن مذهبهم. ويدل عليه⁣(⁣١) إجماعهم مع العترة على أن الذي يدل على كون الباري تعالى عالماً هو وجود فعله محكماً، والعلم بالإحكام فرع على العلم بالإيجاد، فلو لم يكن سبحانه عالماً فيما لم يزل بالإيجاد والإحكام لبطل كون الإحكام دليلاً على كونه عالماً، وللزم أن تقف صحة كونه عالماً بالإحكام على وجود الإحكام، ويقف وجود الإحكام على صحة⁣(⁣٢) كونه عالماً به، وذلك باطل؛ يدل عليه أن القول بثبوت ذوات مقدورات الباري تعالى فيما لم يزل، وأنه لا تأثير له في كونها ذواتاً يؤدي إلى تعجيزه عن خلق العالم، والقول بأنه لا يعلم الإيجاد فيما لم يزل يؤدي إلى القول بأنه سبحانه وتعالى جاهل لتأثيره قبل أن يؤثر فيه، وكل قول يؤدي إلى تعجيزه أو تجهيله فهو ظاهر البطلان. ويدل عليه أن القول بأنه تعالى لا يعلم فيما لم يزل إلا ذوات الموجودات دون الوجود يؤدي إلى تكذيب أخبار الله سبحانه


(١) الضمير في هذا وأمثاله عائد إلى مذهب العترة. تمت مؤلف.

(٢) الأولى على كونه عالماً به. تمت مؤلف.