المسألة الرابعة [في أن المعدوم شيء]
[هل المعدوم شيء]
  الموضع الثالث: في المعدوم هل يسمى شيئاً أم لا؟
  والخلاف فيه متفرع على الخلاف في الموضع الذي قبله، فمن أثبت ذوات العالم في الأزل سمى المعدوم شيئاً حقيقة، ومن لا يثبتها في الأزل لم يسمه شيئاً، هذا هو الظاهر من كلام أصحابنا وما نقلوه من الخلاف، إلا صاحب الغياصة فإنه نسب القول بأنه يسمى شيئاً إلى أكثر فرق الإسلام وكثير من غيرهم، ثم قال: والخلاف في ذلك مع قوم من الفلاسفة، وقوم من المجبرة كهشام بن الحكم، وحفص الفرد، والأصم، وذهب إليه أبو الحسين، وابن الملاحمي من المعتزلة، والإمام يحيى من الزيدية. وأما الحجج فما تقدم؛ لأن الشيء هو الذات، فمن أثبتها في الأزل أطلق لفظ شيء عليها في حال العدم، ومن لا فلا إلا ما ذهب إليه أبو القاسم من أن المعدوم شيء وليس بذات، ولا بأس بزيادة الاستدلال هنا، فنقول: احتج من قال: إن المعدوم يسمى شيئاً بوجوه:
  أحدها: أنه يصح العلم به على انفراده، وذلك هو معنى الشيء والذات، والمنكر لصحة العلم به مكابر، فإنا نعلم القيامة ونحوها مما لم يوجد.
  الثاني: أنا نجد فرقاً بين الكاتب العالم بقوانين الكتابة، وبين الأمي الذي لا يعلمها، ولا فرق بينهما إلا أن الكاتب عالم بتصوير الكتابة قبل إيقاعها، بخلاف الأمي، فلولا أن المعدوم المتصور في ذهن الكاتب شيء لما فرق بينهما.