المسألة الرابعة [في أن المعدوم شيء]
  الثالث: أنه قد ثبت أن معلومات الله تعالى غير متناهية. بدلالة العقل، وإجماع المسلمين، فلو لم يكن المعدوم شيئاً، ولم يعلم الباري تعالى إلا الموجودات - وهي منحصرة - لكانت معلوماته تعالى متناهية، منحصرة؛ لأن الموجدات قد حصرها الوجود.
  الرابع: أن الله تعالى قد وعدنا بثواب، وعقاب، وجنة، ونار، وهذا إن لم يكن معلوماً لله تعالى لم يحسن منه أن يعدنا بما لم يعلم؛ لأن ذلك كالكذب - تعالى الله عنه - وإن كان معلوماً ثبت ما قلنا؛ إذ لا نعني بقولنا: إن المعدوم شيء إلا أنه يصح العلم به.
  الخامس: أن أهل اللغة يقولون: علمت شيئاً موجوداً، فإن أفاد لفظ موجود فائدة غير فائدة شيء، وهي الاحتراز عن الشيء المعدوم؛ إذ لا يقدر غيرها؛ لعدم الواسطة بين الموجود والمعدوم فهو قولنا، وإن لم يفد فائدة غير فائدة شيء. كان تكراراً، وكان بمنزلة قولك: علمت شيئاً شيئاً، أو موجوداً موجوداً، والمعلوم من ظاهر كلامهم خلاف ذلك، وأيضاً، هم يقولون: علمت شيئاً معدوماً، فلو لم يكن المعدوم شيئاً لكان لفظ معدوم مناقضاً للفظ شيء.
  السادس: أنا وجدنا ذلك في كلام الله تعالى، ومنه هذه الآية، أعني قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ٢٠}[البقرة] فسمى تعالى جميع مقدوراته شيئاً، ولا شك أنه قادر على الموجود والمعدوم.
  والجواب: أن غالب هذا الوجوه مبني على أصل واحد، وهو أن علم الله تعالى وقدرته لا يتعلقان إلا بما هو شيء ثابت، ولا يتعلقان