مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير 20}

صفحة 1941 - الجزء 3

  الرابع، والخامس: أنه قادر على جميع أجناس المقدورات، إلى آخر ما مر؛ ودليله ماذكرنا من أنها صفة ذاتية، والصفة الذاتية مع جميع المالية المقدورات على سواء، ولأن المقدورات إن لم تدخل تحت مقدورنا وجب أن يختص بالقدرة عليها الباري تعالى، وإلا خرجت عن كونها مقدورة، وإن دخلت فالله تعالى بالقدرة عليها أولى؛ وأيضاً، فالذي يحصر المقدورات في الجنس والعدد هو القُدَرُ، والباري تعالى ليس قادراً بقدرة.

  فإن قيل: كيف تقولون: إن الله تعالى قادر على جميع أجناس المقدورات، والمعلوم أنه تعالى غير قادر على الظن؛ إذ لاظن إلا عن أمارة، والأمارة مستحيلة في حقه تعالى.

  قيل: قد مر نحو هذا السؤال في الفاتحة وجوابه، ونقول هنا: أما على قول أبي هاشم: إنه من جنس الاعتقاد فلا إشكال أنه قادر على جنسه⁣(⁣١)، وأما على قول الأكثر: إنه جنس برأسه فهم لا يمنعون صحة تعلق قادريته تعالى به، إلا أنهم قالوا: إنه لما كان يستحيل وجوده من دون أمارة استحال وقوعه من الباري تعالى؛ لاستحالة الأمارة في حقه تعالى؛ لأنه يعلم الأشياء على وجهها، ولم يمنعوه لكون جنسه غير مقدور، فإن جنسه مقدور عندهم، وذلك أن الظن ترجيح، والترجيح جنس يدخل تحته الظن، والعلم مقدور له تعالى؛ ونظيره قولهم: إن الله تعالى قادر على جنس الأكوان، وإن كان بعضها مستحيلاً من جهته تعالى، وهو ما تعلقت به قدرة قادر آخر.


(١) وهو العلم. تمت مؤلف.