مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون 21 الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من

صفحة 1952 - الجزء 3

  توجيهه إلى المعدومين، سواء كانوا مع الموجودين أم لا؛ ووجهه أن خطاب المشافهة يقتضي وجود المخاطب وحضوره، وإلا لم يكن خطاب مشافهة؛ على أن الذي يصح من باب التغليب إنما هو إطلاق لفظ المؤمنين والناس، وليس الكلام فيه، وإنما الكلام في صحة توجيه الخطاب إلى غير الحاضرين على سبيل التغليب، وعندنا أنه ممنوع؛ لما مر، فضلاً عن أن يكون فصيحاً شائعاً.

  احتج الآخرون بأنه لو لم يكن الخطاب متناولاً للمعدومين لم يكن الرسول ÷ مرسلاً إليهم، واللازم باطل، فالمقدم مثله؛ أما الملازمة فإنه لا معنى لإرساله إلا أن يقول: بلغهم أحكامي، ولا تبليغ إلا بهذه العمومات، والفرض أنها لا تتناولهم، وأما بطلان اللازم فبالإجماع.

  وأجيب بأنه لا يلزم من عدم الخطاب عدم الإرسال؛ لأن التبليغ لا ينحصر في خطاب المشافهة، بل يحصل للبعض بذلك، وللبعض بنصب الدلائل والأمارات على أن حكمهم حكم المشافهين.

  قالوا: ثبت الاحتجاج به من الصحابة والتابعين على من بعدهم إلى يومنا هذا، فلو لم يكن متناولاً لغير الموجودين في زمان الخطاب لم يصح الاحتجاج به عليهم.

  وأجيب بأنه لا يتعين أن يكون للتناول، بل يجوز أن يكون لأنهم علموا أن حكمه ثابت عليهم لدليل آخر، وهو ما علم من عموم دينه ÷ إلى يوم القيامة بالضرورة، وقوله: {لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ}⁣[الأنعام: ١٩] ونحوها.