المسألة الرابعة [في أن العبادة شكر]
  وقال الإمام المهدي، وبعض الزيدية، وكثير من المعتزلة(١): بل وجه وجوبها كونها ألطافاً في الواجبات العقلية. ومعنى ذلك أن فعل الواجب الشرعي كالصلاة والصوم وسائر الواجبات الشرعية يكون مسهلاً لفعل الواجبات العقلية(٢)، وأما المندوبات فإنما شرعت لكونها لطفاً في مندوبات عقلية، ومسهلة للواجبات الشرعية، وليست لطفاً فيها، وإلا لوجبت، وأما المكروهات فإنما كرهت لكونها مسهلة لترك القبائح العقلية، وليس فعلها مفسدة فيها، وإلا لقبحت. وعن أبي علي أنه قال: وجبت الواجبات الشرعية لكونها مانعة من القبائح، وقبحت القبائح الشرعية لمنعها من الواجب.
  احتج الأولون بأن ذلك غير ممتنع عقلاً، فإن من أخذ غيره من قارعة الطريق فرباه وأحسن تربيته. فإنه يجوز له أن يكلفه فعلاً تلحقه به مشقة، نحو أن يقول: ناولني هذا الكوز، ولا يجب عليه أن يغرم له في مقابلة ذلك شيئاً آخر؛ وإذا ثبت هذا في الواحد منا فكذلك في القديم تعالى.
  واحتجوا أيضاً من السمع بآيات، كقوله تعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا}[سبأ: ١٣]، وقوله تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ٣}[الإنسان]، ومن السنة: ما رواه في أمالي أبي طالب، قال: أخبرنا محمد بن بندار، ثنا الحسن بن سمعان، ثنا عبد الله بن عون، ثنا محمد بن بشير، ثنا مسعر، عن قتادة، عن أنس، قال: قام
(١) ومنهم: أبو علي وأبو هاشم. تمت مؤلف.
(٢) كرد الوديعة وقضاء الدين ونحوهما. تمت مؤلف.